أعرفه منذ عقود ينظم الشعر لكنه ليس بشاعر ، وينشر كتاباته في الصحف والمجلات والدوريات الأدبية ، وله عدة مجموعات شعرية مطبوعة. وقد نجح في اقتناص جائزة التفرغ والإبداع من وزارة الثقافة الإسرائيلية!. وهو يطعم "قصائده" بالتعابير الرمزية والمعاني الغامضة ويملأها بأسماء لشخصيات تاريخية وأسطورية في الأدب اليوناني والإغريقي ، ولكن في الحقيقة إن قصائده لا تمت للشعر بصلة ، ويفتعلها افتعالاً .انها بلا عاطفة ورؤية وحلم شعري ، ومجرد صياغات وتراكيب لغوية بدون روح ومعنى.
ولا أغالي إذا قلت أن جودة الإبداع تغوص في جب الإبداع، وأننا نعيش في مرحلة الخواء الشعري ، ومشهدنا الأدبي المحلي عامر بالإسهال الشعري ويعج بالمتشاعرين ممن ينظمون الشعر ولا يقولونه ، وشتان ما بين النظم والقول.
في هذه العجالة أود أن أقول لهذا "الشاعر" المخضرم ولغيره من المتشاعرين الجدد الباحثين عن الشهرة الفارغة ، أن الشعر هو صوت الحلم وجسد الرؤيا ، والشاعر الحقيقي ينفعل ويؤثر ويتأثر ويتفاعل مع الأحداث والواقع السياسي ـ الاجتماعي، ومحكوم بالاشتعال ،وحائر بين الجمرة والوردة، وبين الفتيل والسنبلة . والقصيدة سؤال هائل وكبيرـ كما يقول الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين ـ ، والشاعر بالاصل كائن رافض ولديه رغبة دائمة في التغيير وزحزحة الاشياء واعادة ترتيبها مرة اخرى بشكل جديد ومغاير ، ودائماً يطلب الافضل والاجمل، واذا وصل فانه يتطلع الى الاقدس . والشعر الجميل الصافي الخالد هو الذي يحمل روحاً ونفساً شعرياً طويلاً ، تختلط فيه الحرارة بالابداع واللغة المشرقة النابضة بالحس الانساني والهم الوطني والمعاناة الانسانية.
ويلا شك انه في هذه المرحلة ، التي اختلط فيها الحابل بالنابل، والقمح بالزوان ، نحتاج الى شعراء المستقبل ، الذين يقولون الشعر ويكتبون القصيدة ويغنون للحرية ويهبون ابداعهم للحياة والحب والوطن ويتركون بصمات تلون خارطة الفرح.. نحتاج للشعر النابع من تجارب ومعاناة ووجع حقيقي ومعبّر عن اختلاجات الروح ، ويجمع بين قوة المعاني وصدق التعبير وبراعة الصور وبساطة الصياغة ، الى جانب الموسيقىى والالوان الحسية والمادية الجديدة، والايحاءات والشطحات الشعرية والرؤى والاخيلة الجميلة، والمكرس لمعالجة مشاكلنا الحقيقية والدفاع عن قضايا التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية والتقدم الحضاري والاخاء الانساني ، ويا ايها المتشاعرون الزموا الصمت..!.